قصص

قصه بنت صبره

قصة حقيقية حدثت بالفعل.. “الجزء الأول”
في ضلمة الليل كل شئ ممكن، كل شئ مباح وممكن يتعمل، ده مش كلامي، ده كلامها.. طول الوقت كانت بتردد الجملة دي” في ضلمة الليل كل شئ ممكن ومباح”، لحد ما في يوم فتحت عيني على صوت اتعودت اسمعه صرخات عالية، اصوات كتير وخبط شديد، الاوضة كانت ضلمة مش شايفة حاجة حواليا، حسست بأيدي على مكان الموبايل، مسكته فتحته وبصيت في على الساعة، كانت قُرب الفجر، اللي جه في عقلي وقتها، يمكن الاصوات المرة دي مش اكتر من حلم، او كابوس.. اتكلمت مع نفسي وانا بهمس”قولت لماما بلاش السفرية دي؟.. ما كانت جت زارت قرايبها لوحدها زي كل مرة، مالي انا ومال الحوار ده؟!”.
-ربنا يكملك بعقلك يا “نهال”، بتكلمي نفسك يا حبيبتي، الناموس اكل عقلك ولا اتلبستي؟
اتفزعت من الصوت الجديد اللي ظهر فجأة وبدون مقدمات، بس اللي طمني عارفه مصدره مين، ومكانه فين، بصيت جنبي بعد ما وجهت نور كشاف الموبايل على السرير اللي نايمة عليه اختي:
-طيب اعطسي ولا تنحنحي، اي حاجة عشان ما تلبس فعلا من عملتك السودة دي.
-والله، عملتي انا اللي سودة!.. اومال اللي بتعمليه انتي دلوقتي ايه؟.. بمبي مشجر.
مسكت المخدة عشان احدفها بيها، بس ايدي اتعلقت في الهوا، ثبتت مكانها وكأني تمثال شمع منحوت، وده بعد ما سمعت صوت الصرخات بتتكرر تاني، او تالت.. اتنفضت “سمية” من على سريرها، قامت ونورت نور الأوضة، ومن القلق والخوف اللي كانوا ظاهرين على ملامحها، جت لزقت جنبي على السرير، ف همست لها بعصبية:
-وسعي شوية، ايه اللزقة السودة دي؟
-انا خايفة يا نهال، مين اللي بيصرخ في الوقت ده؟.. ممكن حرامية هجموا على بيت وبيقتلوا كل اللي جواه!
بصت لها بغيظ:
-بس لو تبطلي تسمعي افلام اكشن كتير، هيبقى افضل لصحتك النفسية والله.
شيلت ايدها اللي كانت مكلبشة في دراعي، نزلت رجلي على الارض ومشيت بهدوء ناحية حيطة معينة، قربت من الحيطة لحد ما بقاش يفصل بينا سنتيمترات معدودة، حطيت ودني على الحيط وركزت في الصوت، اتكلمت سمية بصوت مهزوز؟
-انتي بتعملي ايه يا نهال؟
شاورت لها بأيدي:
-اشششش، اصبري شوية.
سكتت اختي ورجعت اكرر نفس اللي عملته، الصراخ اللي كنا سامعينه سكت، المكان اتقلب لصحرا وهدوء تام، لحد ما قطع الصمت صوت خربشة، في حد بيكحت على الحيط بحاجة او بضوافر، وشوية ورجع صوت حد بيصرخ، وقتها قامت سمية من مكانها، راحت بسرعة ناحية باب الاوضة فتحته وخرجت،راحت أوضة امي، قعدت جنبها وهزتها هزات خفيفة، بسببها فتحت عينها واتخضت لما شافتنا قصادها:
-في ايه يا بنات؟.. ايه اللي مصحيكم في الوقت ده؟
ردت سميه:
-انا عاوزة ارجع القاهرة، مش هستنى هنا يوم تاني.
خبطها على كتفها:
-ايه اللي انتي بتقوليه ده؟
لفت وشها ناحيتي، قالت بعصبية:
-يا سلام، مش ده كلامك اللي كُنتِ بتحكيه مع نفسك من شوية، ولا يمكن بيتهيألي.
ردت عليها ماما:
-فهموني الاول حصل ايه، وبعدها نشوف حكاية قعادنا من عدمه.
ماكنتش ناوية احكي، بس ساعات وجود الخوف بيكون هو المسيطر على الموقف، بيكون اللسان اللي بيتكلم ويحرك كل حاجه، وده اللي حصل مع سمية، بصت لأمي وحكت لها كل حاجة حصلت، وكل اللي سمعناه.. سكتت امي شوية وبعدها اتكلمت وقالت:
-احنا اتكلمنا في الموضوع ده مية مرة، وانتوا برضه ما بتسمعوش الكلام، من وقت ما جينا وقولت بلاش تركيز، ما لكوش دعوة بمين اللي يصرخ ومين اللي بيعيط، وعرفتكم الاسباب، ف ليه دلوقتي عاملين الهيصة دي؟
رديت عليها:
-هي اللي عامله، انا ماليش دعوة بحاجة.
بصت لي سمية بضيق، بعد ما لبستها تهمة وخرجت نفسي منها، فشاورت امي عشان نخرج من اوضتها، ونرجع نكمل نومنا، وده فعلا اللي حصل.. رجعنا الاوضة وكل واحدة راحت على سريرها، دقايق بعد ما طفينا النور راحت سمية في النوم، هزيت راسي وابتسمت على تكبير دماغها، اما انا كان وضعي مختلف، فضلت مفتحة عيني برغم ضلمة الاوضة، اتزاحمت افكار جوه راسي واختلطت مع كلام امي وخاصة “عرفتكم الاسباب”، فرجعت بعقلي لكام يوم فاتوا.. اليوم ده رجعت من شغلي وكان البيت بتحصل فيه امور غير معتادة، امي جوه اوضتها، واختي سمية بتوضب شنطة السفر، فسألتها:
-ايه اللي بيحصل؟.. احنا رايحين مصيف؟
ردت عليا سمية وهي بتتريق:
-مصيف في شهر يناير؟!.. ايه النباهة دي اللي نزلت عليكي في غير اوانها، بقولك ايه ماتوجعيش راسي، عندك ماما في اوضتها وروحي افهمي منها كل حاجة.
فعلا سيبتها وروحت اوضة امي، واتكرر نفس المنظر، شنطة السفر بتتوضب والدنيا مكركبة، فسألتها نفس السؤال، وكان ردها:
-اتصلي على واحدة من صحباتك وخدي اجازة، هنسافر عند اخوالك كام يوم نسلم عليهم.
استغربت لقرارها المفاجئ:
-سفر للبلد من غير اي ترتيبات، ولا حتى اعرف من قبلها بكام يوم!
-ماتكبريش الموضوع يا نهال، خالك اتصل عليا وحابب اننا نروح نقضي عنده كام يوم، مش دايما بتقولي بحب هدوء الريف، اهو يا ستي ادينا هنسافر، ماتضيعيش وقت واعملي اللي بقولك عليه.
هزيت راسي بعدم اقتناع وخرجت من عندها، اتصلت بواحدة من زمايلي في الشغل، وطلبت منها تعملي اجازة 15 يوم، ولو احتجت اجددها هتصل عليها، عدا كام ساعة وركبنا العربية وروحنا بلد امي، المسافة بينا وبينها مش كبيرة، بلد ارياف صغيرة، كل مرة بروحها بيجيلي احساس واحد، إنها مش موجوده على الكوكب، هادية جدا ومعزولة عن العالم اللي بره، اللي عنده حتة ارض اهو شغال وعايش، واللي ماعندوش بيدور على لقمة عيشه جوه الباسبور، وده بعد ما بيقطع تذكرة سفر ويمشي من البلد خالص، وصلنا البلد بعد مدة بسيطة و استقبلونا قرايبنا احسن استقبال، بعد ما قعدنا وبدأنا الكلام في اخبارنا واحوال البلد، اتفتح الباب اللي كان موارب ودخل منه واحد ما يختلفش في الشكل عن اخوالي، ويعتبر خالي برضه بحكم صلة قرابته بأمي، ما هو ابن عمها، سلم علينا ورحب بينا، وهو بيحاول يبتسم، وده بسبب ملامحه اللي كان باين عليها الضيق، وواضح ان الكل لاحظ عليه مش انا بس، فسأله خالي:
-مالك يا اسماعيل؟.. سحنتك ما تدلش على خير ابدا.
اتنهد وشاور لمرات خالي:
-الله يعز مقدارك يا ام سعيد، اعمليلي كوباية شاي وتكون حبر، حاسس مخي هينفجر.
هزت مرات خالي راسها وقامت تعمله الشاي، كل اللي قاعدين كانوا مركزين معاه ومستنيينه يتكلم، واولهم انا.. لف وشه ناحية خالي وكمل كلامه:
-انا زهقت وتعبت، مش عارف اللي بيحصل ده نهايته ايه؟
الكل سكت وحل في المكان صمت تام، مع نظرات متبادلة بين امي وخالي، وانا من النوع اللي ما بيتحملش، عندي فضول بشرية بحالها، لسه هنطق عشان حد فيهم يتكلم ويحرك الحوار اللي بدأه خالي اسماعيل، دخلت مرات خال بالشاي، فركت وشي واتنهدت بضيق، قولت مع نفسي” الجماعة دول بالهم رايق اوي، اخلصوا هتشل وانا قاعدة”.. والحمد لله اخيرا امي لفت وشها لابن عمها وسألته:
-معقوله يا اسماعيل!.. لسه بنفس حالتها لدلوقتي؟
رجع مخي اللي مش راضي يهدا يكلمني” بالذمة ده كلام يا ماما؟.. يا ستي ليه علامات استفهام؟.. ما تدخلي في الموضوع”، رد عليها خالي:
-اه والله ياختي، ما هو عشان كده جيت لأخوكي اتكلم معاه شوية، يمكن كلامنا يوصلني لحل.
رد عليه خالي، اللي عرفت من كلامه انه فاهم يقصد ايه:
-اشرب الشاي وتعالى نطلع نتمشى شوية، عشان افهم منك ايه اللي جد جديد.
دقايق وخلصوا شرب الشاي وخرجوا، وسابوا تيران بتجري جوه مخي، بعد خروجهم قالت مرات خالي لماما:
-حال الدنيا بيتغير بين لحظة والتانية، البيت اتشتت وحيطانه اتشققت وهتقع.
ردت عليها ماما:
-مش عارفه اقول ايه يا ام سعيد، والله قلبي بيتعصر عشانهم.
رفعت حاجبي باستغراب، ورجع المخلوق الفضولي يتكلم جوه راسي” هم ازاي؟!.. الجمع ده طلع امتى ومنين؟.. مش كانت ها مفرد من شوية؟.. لا كده كتير” فاتكلمت بحدة:
-هي ايه الحكاية يا ماما؟.. دايرة الالغاز اللي فتحتوها سببها ايه؟.. والمستفز، سؤال وراه استعجاب، من غير اجابة واحدة ترضي فضولي.
ردت عليا سمية وهي بتخبطني على كتفي:
-وانتي مالك، ما يحكوا اللي يحكوه، مش هتبطلي تحشري نفسك في كل حاجة.
-طيب البعيدة باردة وعلى قلبها مراوح، انا بقى مش زيك، خليكي في حالك بدل ما اقوم لك.
ابتسمت مرات خالي، بعكس امي اللي اتكلمت بعصبية:
-اسكتوا انتوا الاتنين، وبطلوا نقار الديوك كل شوية.
لفت وشها ناحيتي وكملت كلامها:
-على العموم يا استاذة نهال، دي مشكلة عائلية تخص بنت عمي، اخت خالك اسماعيل، مالكيش فيها يعني.
ضحكت سمية بصوت عالي، ضربت كفوفها ببعضها:
-يانهار ع الكسفة، يا بنتي ده مش قصف جبهة، اللي قالته امك قطع رقبة خالص.
ولسه هرفع ايدي عشان اضربها، اتكلمت ماما بحدة:
-بطلوا لعب عيال، يلا خدوا الشنط واطلعوا الدور التاني، ارتاحوا شوية في اوضتكم لحد ما اجهز العشا مع مرات خالكم.
قومت من مكاني وانا ببص لسمية، بنظرات وعيد هتحرقها مكانها، بس هي ولا فارق معاها ما هي البعيدة كتلة تلج متحركة، واحنا على اول درجة من السلم، ندهت علينا ماما:
-استنوا يا بنات لحظة.
لفينا ناحيتها، لمحت مرات خالي كانت بتهمس لها، بعدها كملت كلامها:
-بصوا اي صوت تسمعوه في اي وقت ما تركزوش معاه.
رديت عليها باستغراب:
-تقصدي صوت ايه ياماما؟
-اي صوت مهما كان، والكلام ليكي انتي بالخصوص يا نهال.
ضحكت سمية بطريقتها المستفزة:
-يا لهوي على كمية الاحراج اللي نازلة على دماغك، استني يا بنتي اطلع لك منديل تمسحي بيه وشك.
بصت لها بغيظ وانا بجز على شفايفي:
-ده انتي ليلتك مش فايتة النهاردة، حسابنا لما نطلع فوق.
كملت ضحك ببرود وهي طالعة على السلم، بعد ما دخلنا الاوضة، حدفت الشنطة من ايدي، اقرب مخدة وصلت لها ايدي مسكتها وهريتها من الضرب، واتقلب الموضوع بينا لهزار وضحك، لحد ما تعبنا واترمت كل واحدة مننا على سريرها، وانا ممدة على ضهري سألت سمية:
-تفتكري ماما تقصد ايه بكلامها؟
ردت عليا كعادتها بلامبالاة:
-يا ستي انتي غاوية وجع دماغ وتفكير، قولي حاضر وماشي واسكتي.
قبل ما ارد عليها، سمعنا خبط على باب الأوضة، اتعدلنا في قعدتنا وبصينا لبعض، شاورت لها اني هروح افتح، قومت ناحية الباب وفتحته، رجعت لورا خطوات ولفيت وشي ناحية سمية، وبعدها رجعت بصيت للي كانت واقفة على الباب، اقل وصف هيكل عظمي واقف قصادي، الوش الشاحب والعيون الحزينة، كتاف محنية وكأن عليها جبال، من تقلها قربت تدفنها تحت الارض، للحظة وانا ببص لها بسترجع في ذاكرتي الوش ده شوفته فين قبل كده، بس هي لحقتني واتكلمت بصوت اضعف من جسمها النحيل:
-ازيك يا ابلة نهال، انتي مش فكراني؟
خلصت جملتها وقبل ما ارد، سمعت صوت سمية:
-مين يا نهال اللي واقف على الباب؟
ردت عليها البنت اللي واقفة:
-انا “ليله” يا ابلة سمية.
برقت عيني لما نطقت اسمها، شريط مرة قصادي لمدة ثواني، رجعت جواه كل الناس اللي اعرفهم جوه البلد، لحد ما وقف الشريط واتثبت قصاد صورة بنت جميلة، وشها الفرحان وضحكتها اللي ماليه الدنيا، كانت بتخليني ادور عليها واقعد معاها بالساعات، اتكلمت بصوت مهزوز:
-انتي ليله؟!.. ليه انا بقالي كام سنة ماجتش البلد، عشان ماعرفش شكلك، واتوه عن ملامحك؟!
قربت منها ومسكت ايدها عشان ادخلها جوه، ايدها كانت متلجة وعضم كفها بارز، بتلقائية سحبت ايدها ورجعت لورا، فقولت لها:
-مالك يا حبيبتي؟.. تعالي ادخلي اقعدي معايا شوية.
-لا مش هينفع ادخل، انا جت لك من غير ماحد ياخد باله، عشان اسلم عليكي، بصي اكتبي نمرة تليفوني، وهبعت لك اخر الليل بعد ما كلهم يناموا.
ماعرفش ليه لساني اتلجم ومسألتهاش سبب حالها وشكلها اللي اتبدل، او سبب القلق والخوف اللي باينين على وشها، يمكن بسبب خوفي اني اضغط عليها وهي بحالتها دي، المهم وافقت على طلبها وسجلت نمرتها، وفي لحظات اختفت من قصادي، وكأنها ماكنتش موجودة من لحظات على الباب، قفلت الباب ورجعت قعدت على السرير، سرحت مع نفسي وعيني اتثبتت على اللاشئ، لحد ما فوقتني سمية:
-هااا، نهال، انتي يا بنتي مالك مسهمه كده ليه؟
فوقت من سرحاني وبصت لها:
-يعني ماشوفتيش اللي انا شوفته؟!.. البنت اتحولت لكائن مختلف عن اللي اعرفه، حاجة كده شبه خيال المأتة.
ضحكت:
-يخرب بيت تشبيهاتك، عادي يعني، احنا بقالنا فترة كبيرة جدا ماجناش مع ماما، كبرت بقى واكيد شكلها اتغير.
-انتي هتفضلي طول حياتك عايشة في عالم موازي، وهي اللي تكبر تبقى بالمنظر ده؟!.. شكلها الغريب مايديش سن عيلة في 5ابتدائي، وهي دلوقتي تقريبا سنها 15 سنة.
ضيقت سمية عينها وحطت ايدها على خدها وقالت:
-تصدقي عندك حق.
شوحت لها بايدي وتمتمت في سري وانا بقولها “يا شيخة اسكتي بقى”.. وقتها جالي اشعار رسالة على موبايلي، مسكت الموبايل وفتحته، الرسالة اللي كانت اغرب من كل اللي شوفته وسمعته من وقت وصولي، كانت من ليله، محتواها ..
“انا مش ليله اللي تعرفيها يا ابله نهال، انا شبح ليله، روح بتتنفس في جسم بنت ميتة، حاولت كتير اطلب اللي ينجدني، بس مافيش حد بيسمع لي، ودلوقتي بتمنى الموت في كل لحظة، ادعيلي ارتاح من حياتي”.
عيني زاغت ولفت بسرعة رهيبة للمرة التانية على كلمات الرسالة، بحاول افهم واستوعب ايه اللي مكتوب، بس مش فاهمة حاجة، وكعادة سمية نطقت بجملة مش في وقتها:
-انتي بتحبي من ورايا يا نهال؟.. عيب والله، ده احنا اخوات من زمان.
برقت عيني بضيق، ومادتش لكلامها اهتمام ولا حتى قولت لها مضمون الرسالة، ولما مالقيتش مني رد قامت ترتب هدومها في الدولاب، مسكت الموبايل وبعت رسالة ل ليله بحاول افهم منها سبب اللي قالته، بس مافيش رد والنت عندها اتقفل.. عدا اكتر من ساعة عيني اتثبتت على الموبايل، على امل يوصلي منها رد، بس مافيش.. وقتها كنا فضينا الشنط واستعدينا ننزل الدور الارضي عشان نتعشى، بصيت من الشباك كانت السما ضلمت، نزلنا واتعشينا.. بعد ما خلصنا استأذنت من امي هطلع اقف شوية في فراندة البيت، هزت راسها بالموافقة، بعكس خالي اللي قال:
-الوقت اتأخر يا نهال، والجو برد، خليها في النهار احسن.
-وقت ايه اللي اتأخر يا خالي؟.. الساعة ماجتش 10، مش هخرج وحدي هاخد معايا سمية.
شرقت سمية وهي بتشرب مايه، بس ماستنتش منها ولا من خالي رد، قربت منها وسحبتها من ايدها وخرجنا بره، وقفت عند سور البيت وركنت دراعي على الحافة، الشارع فاضي وكأن سكانه هجروه، لحد ما سمعت صوت باب بيتفتح، لفيت وشي ناحيته، كان البيت اللي جنب بيت خالي، البيت ده سكناه “صبره” بنت عم امي، الاخت الصغيرة لخالي اسماعيل، بعد ما الباب اتفتح، خرجت منه خالتي صبره، لابسه جلابيه سوده، مع ضلمة المكان كانت شبه اشباح البيوت المهجورة، نزلت خطوتين على سلم بيتها وهي بتسحب في رجلها وقعدت، اتعدلت في وقفتي عشان اروح اسلم عليها، سمية رفضت انها تروح عشان مالهاش اختلاط او كلام معاها، من الاخر مش بترتح لها، فسيبتها وروحت لوحدي، لما قربت منها استغربت، كانت متغيرة ومش بنفس شكلها اللي اعرفه، مديت ايدي وانا بقولها:
-ازيك يا خالتي صبره.
رفعت وشي وبصت لي، عامود الشارع كان نوره ضعيف، فكشف ملامح مرعبة وعيون نظراتها مخيفة، ردت عليا السلام بطريقة باردة، وبعدها قالت:
-ايه اللي مطلعك بره في الوقت ده؟.. في ضلمة الليل كل شئ ممكن ومباح، ارجعي لبيت خالك.
كلامها قلقني ووترني، ف اتكلمت بصوت بيترعش:
اومال فين؟……
قاطعت كلامي:
-ماتسأليش عن حد ولا عن حاجة، النهار له عينين الوشوش فيه بتتقابل.
بعد ما خلصت كلامها، حطت ايدها على خدها ونزلت وشها ناحية الارض، ماتكلمتش ولا علقت على كلامها ورجعت للبيت، وقفت جنب سمية اللي لاحظت عليا القلق:
-مالك يا نهال؟.. وشك مخطوف كده ليه؟.. هي خالتك صبره قالت لك حاجة؟.. دايما اقولك الست دي مش مريحة، في حتة جوايا قافشة منها، مش فاهمة انتي ليه بتدوري على البشر النكد وتتعلقي بيهم؟!.. اكيد عشان انتي غراب ونكد زيهم، فعلا الطيور على اشكالها تقع.
-اولا كل اسئلتك مالهاش اجابة عندي، ثانيا يا حرباية انا مش نكد ولا حاجة، انا بس مستغربة لحاجة بتحصل او حصلت مش مفهومة، ثالثا احاسيسك اللي قافشة من كل اللي حواليكي دي تخص نفسيتك المضطربة.
ضحكت وهي بتضربني على كتفي:
-نفسي مادخليش علم النفس اللي درستيه في كل حاجة.
ابتسمت لكلامها وشدتها من دراعها ودخلنا البيت، استأذنا من امي وطلعنا لأوضتنا، من التعب حطينا راسنا على المخدة وروحنا في النوم، عدا وقت ماعرفش قد ايه، لحد ما فتحت عيني على صوت خربشة، صوت شبه قرض الفيران، للحظات والخربشة اتبدلت بصوت خبط كان جاي من عند الحيط، افتكرت كلمة امي وحاولت اتجاهل الصوت وارجع للنوم، شوية والخبط سكت، وفعلا نمت تاني.. فوقت على صوت امي بتصحيني للفطار، قومت وعملت الروتيني العادي بتاعي، واحنا قاعدين اتكلمت ماما:
-روحي يا نهال نضفي الكنب اللي بره، عشان خالك شوية وجاي معاه ضيوف.
هزيت راسي وخرجت اعمل اللي قالت لي عليه امي، شد انتباهي صوت حاجات بتتكسر في بيت خالتي صبره..
“يتبع”
#بنت_صبره
الجزء الثاني..
خرجت اعمل اللي قالتلي عليه امي، شد انتباهي صوت حاجات بتتكسر في بيت خالتي صبره، روحت ناحية وفتحت الباب اللي كان موارب، دخلت وبدأت اتلفت حواليا على اي حد موجود جوه البيت، لمحتها كانت واقفة عند الحيط وبتهمس بكلام مش سمعاه، قربت منها وانا بنده عليها بصوت واطي:
-خالتي صبره.
ماردتش عليا، بس اتحركت خطوات لورا وطلعت من جيبها موبايل صغير ماركته قديمه، شغلته وتقريبا كانت فاتحه الكاميرا، رجعت قربت تاني من الحيط وبدأت تاخد لقطات متتالية للحيط قصادها، بعد ما خلصت سكتت لثواني، وبدون مقدمات لفت وشها ناحيتي، وجت ناحيتي بسرعة قطة قفشت فار في مصيدة، اتنفضت في مكاني وشهقت بصوت عالي، ومن الخضة ماعرفتش اتحرك، فضلت واقفة برغم قربها الشديد مني، لدرجة نفسها البارد لفح وشي، رفعت ايدها اللي كانت ماسكه بيها الموبايل وقربته قصادي:
-بصي يا نهال، شوفي بعينك.
بصيت لشاشة التليفون اللي كانت صورتها ضبابية، اتكلمت بقلق:
-هشوف ايه يا خالتي صبره؟.. مافيش حاجة.
-مافيش حاجة ازاي؟.. بصي بعينك وركزي، ده انا كل يوم بصور وشوشهم على التليفون، وابعتهمله يمكن يحن عليا، بس كل مرة نفس الرد ونفس الكلام.. “مافيش حاجة يا صبره”، بس، بس لو انتي يعني صدقتي كلام خالتك صبره، هو كمان يصدقني، ويحن عليا وعلى قلبي.
سكتت لثواني، وبعدها حدفت الموبايل على الكرسي، نزلت بركبتها على الارض ورفعت طرف السجادة، مدت ايدها وخدت من تحتها شوية حصى، قامت من مكانها ورجعت وقفت قصادي، فردت الحصى على كف ايدها، وشها اتملى بقطرات عرق، وقالت وهي بتهته وبتريل من بوقها:
-طب، طب سيبك من الصور، بصي كده في شوية الحصى دول، بس بحلفك بخالق الكون ركزي، ها يا حبيبة خالتك ركزي كويس، بذمتك مش شايفة الوشوش المرسومة عليهم؟
عيوني اتملت بالدموع وهزيت راسي بأني مش شايفة حاجة، بصت لي بنظرات ضيق، مسكت واحدة من الحصى ورفعتها قصادي عيني، واتكلمت بعصبية:
-ازاي مش شايفة الوش اللي على الحصى؟.. ماهو قصادك اهو، بصي كويس، اهو في عين وبوق ومناخير.
وفي ثانية لفت بجسمها الناحية التانية، وباللي اتبقى ليها من قوة، رمت الحصى على الحيط، اتكلمت كلام كتير جدا وبسرعة رهيبة، اللي قدرت افهمه من كلامها، لما قالت:
-كلهم بيكرهوني، ماحدش فيهم بيحبني وقاطعوني، طيب انا عملت ايه؟
في اللحظة دي، سمعت صوت جاي من الدور اللي فوق، حد كان بيعيط بصوت انا عرفاه كويس، ولسه هتحرك عشان اطلع السلم، مسكتني من دراعي وشدتني لورا، قالت بعصبية وهي بتزعق ورافعة وشها لفوق:
-انتي لسه شوفتي مني حاجة، انا هخلص عليكي قبل ما تجبيلي العار والناس تاكل وشي، هموتك ولا إن تربيتي تخيب.
قبل ما تطلع على السلم، سحبتني من ايدي وخرجتني بره بيتها وقفلت الباب، بعد لحظات سمعت صوت صرخات عالية خارجة من البيت، جريت بسرعة على بيت خالي، اتكلمت وانا بنهج وباخد نفسي بالعافية:
-الحقوا خالتي صبره، هتموت……
ماكملتش الجملة، بسبب ايد مرات خالي اللي شاورت لي اسكت، قالت:
-سيبك من خالتك صبره واللي بيحصل في بيتها، هي كده تتعصب وتنزل على مافيش، شوية هتتهد وتسكت.
بصيت لأمي يمكن ردها يكون رحيم عن رد مرات اخوها، بس ايدت كلامها بنظرات فيها تحذير، معناها ماتدخليش في اللي مايخصكيش، سيبتهم وطلعت السلم وانا بجر عجزي وقلة حيلتي، عدا اليوم ماخرجتش من اوضتي.
فوقت من ذكريات الكام يوم اللي عدوا، والاحداث الغريبة اللي شوفتها، بصيت جنبي على اختي كانت نايمة، بعكس حالتي، النوم اختفى.. خدت الموبايل من جنبي وفتحته اتسلى لحد ما اقدر انام، كان فيه اشعار لرسالة واتس اب من ليله، فتحت الرسالة، عيني برقت وبلعت ريقي بالعافية، حدفت الموبايل جنبي وروحت ناحية سمية، هزيتها من كتفها:
-قومي يا سمية، اصحي انتي موتي ولا ايه؟
ردت عليا وهي بتفرك في عينها:
-في ايه يا نهال؟.. اللي بيخبط على الحيط احتل الأوضة.
-اتنيلي مش وقت هزار دلوقتي.
قامت نص قومه وهي بتتاوب، فشدتها من ايدها ونزلتها من على السرير، اديتها الشال بتاعها عشان تغطي نفسها من البرد، حاولت تتكلم وتفهم في ايه، بس تفكيري مرتبك ومشتت، صدى الكلام اللي كانت مكتوب في الرسالة عمال يتردد في عقلي” حاولت يا ابله نهال بس مش قادرة اتحمل، اكيد الموت هيكون ارحم ليا”.
شاورت لسمية عشان تسكت وماتنطقش، الوقت ده ماكنش في صوت، الكل نايم ومش سامعين غير صوت هوا يناير، اتسحبت على السلم وانا بتلفت حواليا وكانت نازلة ورايا سمية، وصلنا باب البيت وفتحناه بهدوء عشان ماحدش يصحى، خرجنا بره بخطوات سريعة، وقفت سمية مكانها برقت عينها، رفعت ايدها وشاورت لفوق، اتكلمت بارتباك:
-الحقي يا نهال.
رفعت عيني لفوق، واللي قالته في الرسالة نفذته، شبح اسود نحيل اتمثل في صورة بنت صغيرة، واقف على حافة سور الدور التالت، وقبل ما اص*رخ او استنجد، كل حاجة خلصت.. صوت الهوا اللي بيرزع الابواب المقفولة، اختلط بصرخة مكتومة خارج من طفلة، طفلة عرفت طريق الم*وت، وفهمت بسبب اقوى من الموت نفسه، إنه هو اللي هيوصلها للراحة اللي مش لقياها في دنيتها، جريت سمية ودخلت البيت تصحي اللي جواه، اما انا روحت عند ليله، كانت مرميه على الارض وخارج منها تأوهات الم ووجع، شدتها وحطيت راسها على دراعي، بكيت من شكلها وحالها، ندهت عليها:
-ليله، انتي سمعاني؟
هزت راسها وهي لسه بتتوجع، بعدها بلحظات ميلت راسها على جنب وكل حاجة سكتت، حسيت اني انا وهي في ارض غير الارض، ومكان غير المكان، الهوا اللي كان بيتحرك ثبت، وصوت وجعها كمان سكت، ماحستش بنفسي غير وانا بصرخ بصوت عالي وبعيط بحرقة، لحد ما فوقت على صوت عربية الاسعاف، وناس كتير بتتكلم حواليا بس مش مركزة في وشوشهم، المنظر قصادي عبارة عن ضباب بسبب عيوني اللي دموعها مش راضية تقف، بس الحاجة الوحيدة اللي انتبهت لها وكويس اوي، منظر الست اللي بتمسك في باب العربية وبتعيط، واحد شد ايدها وحدفها بكل قوة فوقعت بوشها على التراب، وطلعت عربية الاسعاف بعد ما سابت وراها مليون سؤال لازم حد يجاوبني عليه، النهار بدأ يطلع والناس خارجين لزرعهم وحالهم، واضح على وشوشهم ان اللي حصل في الساعات اللي فاتت الكل عرفه، ماستنتش افكر كتير، طلعت اوضتي وغيرت هدومي عشان اروح المستشفى، بحاول اجنب فكرة ان ليله ماتت، حمدت ربنا ان امي مامنعتش اني اروح، خدت اقرب مواصلة وروحت المستشفى، بعد ما وصلت لقيت خالي وابن عمه قاعدين، اول ما شافوا القلق على ملامحي اتكلم خالي:
-اهدي يا نهال.
-ليله عايشة وبخير مش كده؟
-ايوه يا بنتي هي بس عندها كسر في اخر فقرتين في ضهرها، البنت جسمها ضعيف وماستحملتش الوقعة.
دخلت اوضتها عشان اطمن عليها، وقتها دخل ورايا خالي وخالها ومعاه اخته صبره، ماهو ليله امها تبقى خالتي صبره، بمجرد ما البنت لمحتها ص*رخت برغم وجعها:
-خرجوها بره، مش عاوزة اشوفها، خلوها تمشي من هنا.
بكت صبره وهي بتبص لبنتها، بس دموعها ماشفعتلهاش عند ليله، واستمرت في صراخها عشان تخرج، جت الممرضة على صوتها وبصت لخالي:
-بعد اذنكم يا جماعة اخرجوا كلكم بره، حالتها ماتسمحش بأي ضغط.
مسكت ليله ايدي، وقالت بصوت ضعيف:
-خليكي يا ابله نهال، عاوزة اتكلم معاكي.
هزت لها راسي بابتسامة وطبطبت على كف ايدها، سيبتها وروحت عند الممرضة استأذنها اني هستنى معاها شوية ومش هتعبها، فوافقت بس لفترة قصيرة، سحبت الكرسي وحطيته قصاد ليله وقعدت، طلبت مني اقرب منها عشان اقدر اسمعها، وفعلا عملت كده فبدأت الكلام:
-صبره هي السبب.
استغربت لجملتها ووقفت للحظة قصاد كلمة صبره:
-تقصدي امك.
-لا دي مش امي، دي صبره وبس.
-خلاص اللي يريحك قوليه، وانا سمعاكي.
-كانت، كانت في عز الليل بت*ضربني ومن غير سبب، من وقت ما بدأت اكبر وهي اتغيرت، وكل اللي على لسانها “انتي هتعنسي وهتفضلي قاعدة زي الارض البور، اللي زيك وفي سنك اتخطبوا وهيتجوزوا”.
استغربت من كلامها:
-جواز ايه في السن ده؟!
-ماعرفش يا ابله، هي دايما كانت تقولي كده، ولو لمحتني بظبط طرحتي ولبسي، تجرني منها وتفضل تضرب فيا، واوقات وانا رايحة المدرسة، كانت تخرجني بره باب البيت، ترمي لي شنطتي وهدومي، وتحكم عليا البس بره في الشارع، وكانت بتساعدها في كده اختي.
-اختك اللي اصغر منك اسماء؟!.. وازاي يعملوا كده؟
-ايوه ما هم شبه بعض، انا بكرههم هم الاتنين، ماليش ام ولا ليا اخت، وياريت على كده وبس.. دي كانت تتسحب في نص الليل وتقرب من سريري، كنت بسمع خطواتها وهي داخلة الاوضة، واول ما تقرب مني بسمع صوت نفسها، بفتح عيني الاقي وشها في وشي ومبرقة عينها بشكل مخيف مرعب، تشدني من ايدي وتسحبني من على السرير، لدرجة اني كنت بقع من عليه، بعد ما قوم تكمل شد فيا لحد ما نخرج بره البيت.
سألتها بأستغراب:
-كنتوا بتروحوا فين في الوقت ده؟
-البيت المهجور.
-تقصدي البيت القديم اللي اتقفل من زمان، واتعمل زريبة مواشي.
-ايوه هو، البيت في الوقت ده بيكون مرعب، ساعتها كنت بتمنى الم*وت ارحم من اللي بيحصلي، كانت تقرب مني وتبص لي، وشها وملامحها كانوا بيتغيروا، تلف ايدها حوالين رقبتي وتفضل تخنق فيا، لولا اكح ونفسي يبدأ يروح، كانت كملت في اللي بتعمله لحد ما ام*وت، افضل معاها في الرعب والفزع ده لاكتر من نص ساعة، بعدها تشدني من ايدي وترجع بيا البيت، دي حاجات بسيطة من اللي بتعملها معايا، وده السبب اللي خلاني شوفت الم*وت ارحم من العيشة معاها.
-ماتكلمتيش مع حد وحكيتي له اللي بيحصل.
ردت عليه بعيون مليانه دموع:
-كلهم عارفين وشايفين وساكتين، حجتهم إنها مهما عملت برضه امي، ارجوكي يا ابله مش عاوزة ارجع عندها، هروح معاكي عند خالي ابو سعيد.
لمست على شعرها وابتسمت لها، فهديت شوية وغمضت عينها ونامت.. مرت ايام وحالة ليله الجمسانية الى حد ما بتتحسن، لكن حالتها النفسية صفر، وخاصة لما حد يجيب قصادها سيرة امها، لدرجة اننا بعد ما رجعنا بيها على بيت خالي، كانت اوقات بتشم ريحتها لو قربت من الباب، تصرخ بصوت عالي:
-قولوا لصبره ماتقربش من باب الاوضة، خلوها تمشي من البيت.
كلنا كنا بنستغرب من تصرفها الغير مفهوم، والاغرب.. انها كانت بتعرف مين اللي كان عند امها وجه عندها يزورها، مرة خالتها جت تزورها، بعد ما قعدت جنبها، اتكلمت ليله:
-قومي يا خالتي من جنبي وارجعي بيتك.
وقتها ردت عليها امي:
-عيب يا ليله، مافيش بنت مؤدبة تكلم خالتها بالطريقة دي.
-خالتي كانت عند صبره، شامه ريحتها في كفوف ايدها وعلى هدومها، وانا مش عاوزة اشم ريحتها ولا اشوف طيفها على حد.
لفت وشها على خالتها وكملت كلامها:
-ولو سمحتي يا خالتي، وانتي خارجة خدي معاكي الطبق اللي انتي جيباه، ده اكل من ريحة ايد صبره، مايلزمنيش ولا عوزاه يدخل معدتي.
وقتها افتكرت لما فضلت ترجع من يومين، كل الاكل اللي كلته، وبعد ما خلصت قالت:
-ماحدش يديني اكل عملاه صبره، عندي اموت من الجوع ولا اني اكل حاجة طبختها بايدها.
وفضلت البنت على الحالة دي، واللي عرفته ان صبره حالتها بتسوء يوم عن التاني، فكان لازم اسأل السبب، يمكن حد يكون عنده تفسير، فقعدت مع اخت صبره، اللي هي برضه في مقام خالتي، لما سألتها عن سبب حالة صبره، ردت وقالت:
-من يومها وهي مهبوشة في عقلها، اومال احنا كلنا مقاطعينها ليه، بعيد عن السامعين، وهي صغيرة في سن بنتها اسماء، كانت بتتنطط كعادتها، وقعت من فوق نزلت على سقف الحمام، كسرت اللوح الخشب ونزلت على ضهرها في أرضية الحمام، ومن اليوم ده يا بنتي، اتعزلت عن الدنيا، طول الوقت قاعدة لوحدها، اوقات كنا بنسمعها تتكلم مع نفسها، امي الله يرحمها لفت بيها على المشايخ، كلهم قالوا كويسه مافيهاش حاجة، هي بس اتخضت من الوقعة، احنا كمان بعد جوازها، سيبناها تعيش مع نفسها يمكن تفوق من اللي هي فيه، بس البعيدة مخها ضرب اكتر من الاول.
كان هاين عليا بعد الكلام اللي قالته، اقوم اطردها من البيت، ماهو مافيش ناس عاقلة يعملوا كده مع اختهم، الكل اكد الكلام اللي قالته خالة ليله، الا انا.. كان جوايا حاجة بتقولي الموضوع اكبر من الكلام اللي سمعته، وللسبب ده اتكلمت مع خالي اسماعيل:
-بقولك ايه يا خالي، انا اعرف دكتور نفسي كويس اوي، ايه رأيك لو نودي خالتي صبره وليله عنده، يتكلم معاهم يمكن يقدر يعالج حالتهم.
خد نفس عميق، بعده رد عليا:
-وماله يا بنت اختي، ماحدش عارف الخير فين.
اول حاجة بدأنا بليله، بعد ما قعدنا مع الدكتور، حاول في البداية يكسب ثقتها عشان تقول كل اللي جواها، والموضوع ماكنش صعب ولا خد منه مجهود، وده بسبب نفسيتها الخربانة المهزوزة، فبدأ يسألها وهي تجاوب، لحد ماحكيت له كل حاجة حصلت بينها وبين امها، بعد ما خلص كلامه معاها، سندتها وخرجنا من عنده، قعدتها على اقرب كرسي ورجعت لأوضة الدكتور، قبل ما اسأله اتكلم وقال:
-الموضوع مش سهل، انتي جيبالي جثة بنت صغيرة، مافيش مشاعر ناحية امها، لازم في اقرب فرصة اشوف الست صبره واشوف جوزها.
عقلي وتركيزي وقفوا قصاد كلمة جوزها، فرديت عليه بتلقائية:
-مسافر.
سكت وماردش عليا، بعدها اكد على كلامه إنه لازم يشوف صبره وبسرعة، خرجت من عنده وتفكيري في حاجة واحده، بكرة بأذن الله هرجع للدكتور بخالتي صبره، وفعلا.. تاني يوم جيت مع خالتي صبره واخوها للدكتور النفسي، بعد ما قعدنا شوية، طلبت مننا الممرضة اننا ندخل عنده، دخلت الاول وورايا صبره اللي كانت بتشيل رجلها من على الارض بصعوبة، لمحت عليها الشرود والارتباك، عينها كانت بتلف في كل اركان الأوضة بقلق، اتكلم الدكتور:
-اقعدي يا صبره، ماتخافيش من حاجة.
مشيت ناحية الكرسي اللي قصاد مكتبه، حسست بأيدها على حافة الكرسي وهي بتتسند عليه، لفت بجسمها وقعدت عليه، بص لها الدكتور للحظات بتفحص، كان بيشوف ردود فعلها ونظراتها، بيرسم صورة مجمعة لحركات جسمها وانفعالاته، بعدها ابتسم وقال بهدوء:
-تشربي حاجة يا صبره.
ردت عليه بتردد:
-اشرب شوية مايه.
رن الجرس اللي جنبه، اتفتح الباب ودخلت منه الممرضة، فطلب منها تجيب كوباية مايه، لحظات ودخلت الممرضة ومعاها الكوبايه، شاورلها الدكتور عشان تديها لصبره، وعملت كده.. شربت صبره المايه بنهم شديد لحد ما الكوباية فضيت، بدأ الدكتور كلامه معاها بأسئلة عادية لكسب الثقة، لحد ما وصل عند سؤاله عن جوزها، ارتبكت واتوترت، وشها تبدل وبدأت تفرك في ايدها بقوة، اتكلمت وهي بتجز على سنانها:
-هو السبب في كل حاجة، خدته عن اقتناع بعد ما لقيت فيه عوض ربنا، عن قسوة اخواتي، قولت خلاص الدنيا هتبدأ تفتح لي دراعتها، اتاريها مخبيالي قضبان هتحبسني جواها، بعد جوازنا بشهرين، قرب مني وقال:
-انا جهزت ورقي وهسافر يا صبره.
بصت له بفزع وخوف من مجهول مستخبي ورا كلامه:
-هتسافر وتسبني لوحدي؟
-لوحدك ازاي بس، اهلك واهلي كلهم حواليكي، ماحدش فيهم هيسيبك خصوصا إنك حامل.
-متهيألك، ماحدش حواليا وهرجع لوحدتي من تاني.
ماحسش بيا ولا فهم كلامي، كل اللي كان في باله، الفلوس اللي هيجيبها ويحوشها، على وعده منه مش هيقعد كتير في سفره، بس كان بيكدب عليا، طول الوقت كان بيكدب، عدت سنه وراها التانية والتالتة، ورجع شهرين مافيش غيرهم، حملت فيهم ببنتي التانية، ومن بعد حملي جهز شنطته ورجع يسافر، صحيح هو كان في غربة بلاد، بس انا كنت في غربة قلوب، الكل قاطعني وماحدش كان بيسأل عني، وشلت هم وتربية العيال لوحدي، الخوف كان ملازمني طول الوقت لاماعرفش اربيهم، وهو لسه لحد دلوقتي مسافر وسايبني لوحدي، خلاص.. انا مابقطش طايقة العيال، خليهم ياخدوهم مش عاوزة حد منهم.
سكتت صبره عن الكلام ورجعت لحالة الشرود، شاور لي الدكتور اني اخرجها بره عند اخوها وارجع له تاني، وفعلا خرجتها ورجعت له، اتكلم وقال:
-انا ليا جلسات معاها تاني، بس مبدأيا عاوز اقولك حاجة مهمة جدا، لازم توصلي اللي هقوله لأخو صبره، افصلوا صبره عن بنتها ليله نهائي، اوعوا حد منهم يقرب للتاني، والا العواقب هتكون ابشع مما تتخيلوا.
قاطعته كلامه:
-ازاي يعني يا دكتور؟
-لو اتجمعوا في مكان واحد، حد فيهم هيقتل التاني، صبره هتقتل بنتها او العكس، ولو تقدروا خدوا كمان باقي ولادها من البيت، الست صبره حالتها النفسية بسبب غياب جوزها دمر نفسيتها، التراكمات عملت لها خراب نفسي، خلت تفكيرها مشتت، واي حاجة بتعملها مش محسوبة، الادراك عندها بيجيله وقت وبينعدم، الافضل تبعته لجوزها يرجع لعل وعسى يقدر يحسن شويه من حالتها، بس لازم للوقت ده تبعدوها عن ولادها، الضغوط الحياتية اللي بيتعرض لها الانسان، وخاصة لما يكون جواه ضعيف وهش، بتوصله للجنون، وده اللي حصل مع الست صبره، وبدأته مع بنتها ليله، لحد ما اتحولوا هم الاتنين لمرضى نفسيين.
هزيت راسي بابتسامة مجاملة للدكتور، مصحوبة بقلق وتوتر من كلامه، سلمت عليه وخرجت من عنده، بعد ما رجعنا البيت حكيت لهم كل اللي قاله الدكتور، وكانت النتيجة التجاهل التام لكل اللي قولته، لدرجة ان اخوها بطل يوديها عند الدكتور، بحجة ان جوزها ايام وراجع البلد، ولما يرجع يشيل شيلته، ماكنتش مصدقة اللي بسمعه، وفضل الحال على ما هو عليه، طول الليل صبره تخبط على الحيط، وليله سحبتها دوامة كره امها، والافظع اللي حصل قبل ما نرجع مصر بـأيام، قعدت جنب ليله وهزرت معاها:
-مش هتقومي تاخدي دش، بقالك اكتر من 3 ايام مااتحركتيش من السرير.
بصت لها بخوف:
-بس تروحي معايا وتقفي جنب الباب.
استغربت لكلامها:
-طيب ليه؟.. انتي خايفة من حاجة.
قربت مني وهمست:
-لما بدخل الحمام، بشوف جواه واحدة ست لابسه اسود، واقفة على جنب وبتبص لي.
اتوترت من كلامها وضربات قلبي زادت، اضطريت اني اروح معاها واقف جنب الباب وهو مفتوح، بعد ما خلصت دخلتها الاوضة وقعدت معاها لحد ما نامت، رجعت قعدت مع امي وكان معاها مرات خالي، وخالة ليله، فقولت لهم اللي حصل واللي قالته ليله، سكتوا شويه واستغربوا من اللي قولته، بس استغرابهم ماطولش، إجابة اللي حصل كانت عند خالة ليله، لما اتكلمت وقالت:
-منك لله يا صبره، قولت لكم مجنونة ومخها راح منها، امتى يرجع جوزها اياك حتى يرميها في السراية الصفرا.
ردت عليها امي:
-مالها صبره باللي قالته نهال.
-ما هي من كام يوم جت لي البيت، قعدت تلت وتعجن في كلام مافهماش منه حاجة، وفي اخر كلامها قالت:
-مالقتش حل قصادي غير اني اروح لمتولي.
بصت لها وضربت على قلبي:
-يا نهار اسود، وايه اللي وداكي عند متولي بتاع الاعمال؟
-روحت له وخدت معايا حاجة من ريحة ليله، قولت يعملي حاجة يخليها ترجع تحبني، اداني كام ورقة وقالي احرقهم جوه عين الحمام، وعملت اللي قالي عليه بالظبط.
رديت عليها وانا بزعق لها:
-عملك زي وشك، هو اللي زي متولي ييجي من وراه خير ولا محبة.
من غيظي منها طردتها بره بيتي، وشكل اللي عملته ضر بنتها اكتر ماكانت مستنية من وراه نفع، الله اعلم الايام الجاية مخبي فيها ايه.
سكتنا وماحدش رد على كلامها، كل اللي كان بيدور في عقلي 3 كلمات” التراكمات، الضغوط، الجهل” دول كفاية عشان يهدوا بيت وياخدوا روح بني أدم بالبطئ، يستنزفوا ويسحبوا روحه من تحت جلده، لحد ما يسيبوه هيكل جثة متحركة، مافيهاش غير نفس داخل وخارج.
تاني يوم جهزنا شنطنا ورجعت انا وامي واختي البيت، ورجعت انا كمان شغلي، مرت الايام وكل اللي وصلي عن اخبار ليله وصبره، ان حالهم زي ماهو حتى بعد رجوع الزوج والاب، استلمهم حطام بني أدمين، الهدم مافيش اسهل منه، لكن البنا من اول وجديد بياخد شهور ويمكن سنين، وممكن العجز قصاد الهدد يوقف كل حاجة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى